أخر الاخبار

أفلام ما بعد الهزيمة الجزء الاول : فيلم الأرض 1969.

 
أفلام ما بعد الهزيمة الجزء الاول : فيلم الأرض 1969


كتبت Marnie Omar

أفلام ما بعد الهزيمة الجزء الاول : فيلم الأرض 1969

من بين هؤلاء الملايين المؤمنين بحلم ناصر كان هناك جيل من المثقفين والفنانين الحقيقيين، صدقوا في البداية أن حاكمًا مصريًا ولو كان عسكريًا أفضل من أغراب يتوارثوننا كما تورث الأنعام. أفاق بعضهم حينما كُممت الأفواه تباعًا، وأفاق آخرون حينما زارهم زوار الفجر، وأتت الهزيمة لتحطم أوهام البقية.

لم نجد خيرًا من «يوسف شاهين» ممثلاً لهذا الجيل، شاهين الذي صنع ملحمة «الناصر صلاح الدين» في عام 1963، تلك الملحمة التي صنعت صورة أيقونية لقائد عربي منتصر وحكيم، فيه من عبد الناصر أكثر من صلاح الدين نفسه. تلك الملحمة التي شارك فيها أكثر من 20 ألف جندي مصري بأوامر عليا، من نفس جنود الجيش الذي هُزم بعدها بأربع سنوات تحت شمس سيناء التي لا ترحم.

صحيح أن شاهين غادر مصر بعد هذه الملحمة بوقتٍ قصير، كفنانين ومبدعين كثيرين أدركوا أنه لا مجال لحرية أو معارضة من أي نوع أمام ثلة من حملة السلاح. ولكنه عاد بعد النكسة، عاد رجلاً آخر، فصنع ملحمة أخرى في عام 1969 هى «الأرض» التي ثار فيها على ظلمٍ قديم وقدس فيها قيمة الأرض في وطنٍ مغتصب، 

مع هزيمة عام 1967. يقدم شاهين في رباعيته بعد النكسة تحليلًا عميقًا لأسباب الهزيمة، يبدأ بفيلم “الأرض”، ثم “الاختيار” و”العصفور” و”عودة الابن الضال”.

اعتاد النقاد تجاهل فيلم “الأرض” أثناء الحديث عن الأفلام التي يناقش فيها شاهين أسباب الهزيمة، ربما بسبب انتماء الأرض من الناحية الشكلية للأفلام الكلاسيكية، على عكس الأفلام الثلاثة الأخرى التي تبدو أكثر حداثة، وإن كانت لم تصل بنفس القدر إلى التغلغل فى مسام الشخصية المصرية بمثل ما فعل فيلم «الأرض» وبطله الهمام العم أبوسويلم.


 لكن حقيقة أن “الأرض” هو الفيلم الأول لشاهين بعد الهزيمة، تجعل من الصعب إغفاله، ليس فقط لأنه كان ردة الفعل الأولى الأكثر صخبًا، بل لأنه عندما قرر أن يناقش أسباب الهزيمة، عاد بوعي شديد إلى قاعدة الهرم الاجتماعي “الطين” مع وجود رابط قويّ بين موضوع “الأرض” وبين باقي الرباعية.


إذًا يمكن اعتبار فيلم الأرض عن مقدمات الهزيمة بينما الاختيار والعصفور يفحصان آثار تلك الهزيمة، أما عودة الابن الضال فهو محاولة للانعتاق من بوتقة الهزيمة تلك، والمضي بالحياة قدمًا.


وإذا تركنا هذه الأفلام، أي أفلام شاهين وجدنا أن هناك فيلم وحيد يكاد يتصل بموضوع النكسة وأسبابها وهو فيلم “ثرثرة فوق النيل” إنتاج 1971، ومن إخراج حسين كمال، ولكننا الآن سنتحدث عن أفلام يوسف شاهين.


الارض 1969: ضرورة مواجهة الظلم وعن مسؤلية المجتمع عن الهزيمة


 يمكن أن نعتبر من اسم الفيلم أن الفيلم يتحدث عن الأرض سواء أرض الوطن المحتلة، أو أرض العالم الخاص بالفيلم والتي ستحتل أيضًا ولكن من الداخل، 

يفتتح يوسف شاهين رائعته “الأرض” بأيادي محمد أبوسويلم تحتضن براعم القطن وترعاها حتى تزهر، ويختتم بها متشبثة بأزهار القطن التي أينعت، لكنها هذه المرة مخضبة بالدماء، أحد المجازات التي تحتملها تلك النهاية التي جاءت بعد هزيمة يونيو بعام واحد، هو انتهاء فكرة البطل المخلص ــ أبوسويلم ــ الذي يقود ويقاوم وحده.


فهل هناك رابط وخط بين بداية الفيلم ونهايته بالتأكيد نعم، فالفيلم في مجمله هو إسقاط صريح وواضح على أهمية التشبث بالأرض وعدم التنازل او التخلي عنها، سواء أرض الوطن، أو الأرض التي يجري عليها أحداث الفيلم، كما أن شاهين حاول توصيل هذه الرسالة في كثير من المشاهد داخل الفيلم، مثل مشهد الفلاح وهو يحدث أبناء بلدته عن أهمية الثورة على الظلم.

وهناك مشاهد أخرى تبرز بعض المشكلات المجتمعية التي أدت إلى الهزيمة أو فقدان الأرض، مثل مشهد النزاع القائم بين أهل البلد على الماء، ولكن شاهين أيضًا كما يوضح أسباب الهزيمة والمشكلات الاجتماعية يوضح أيضًا أهمية العلم كحل ومخرج من المأزق وعلاقة رجل الدين كشاهد على الأحداث، فالفيلم يتحدث عن الثورة الواجبة في مجتمعنا، الثورة التي تبدل العقول وتوحدها من أجل هدف واحد هو الخروج من الأزمات.


يستعرض شاهين الهزيمة في هذا العمل من خلال الصراع الطبقي في أكثر صوره قدمًا وكلاسيكية، صراع الفلاحين مع الإقطاع، الممتد عبر السنين، أو كما يقول أبو سويلم “النهبة هي الفقير، هي دي حكايتنا مع محمود بيه، وأبويا وأبوه وجدي وجده، الحكاية اللي من قديم الأزل”، لكنه هذه المرة لا يعرض هذا الصراع بوصفه يشير للفوارق الطبقية والظلم الاجتماعي، بل يربط ذلك بشكل رئيسي بالهزيمة.


الهزيمة تحضر هنا بمعنى أوسع من كونها عسكرية، يرى شاهين أن النكسة ليست سوى تجلٍ حتمي للهزيمة الأهم” انتكاسة الثورة، أو بشكل أكثر تحديدًا مبادئها ــ القضاء على الاقطاع، العدالة الاجتماعية، التوزيع العادل للثروة ــ لذا يختار شاهين أن يعود بسرديته لزمن العهد الملكي، نقطة انطلاق ثورة يوليو، لتذكير رجال الثورة بأسباب قيامها أولًا، وانحرافها عن مبادئها ثانيا وأن تلك المظالم التي تراكمت في الثلاثينات ــ زمن الفيلم ــ أعقبتها هزيمة عسكرية في العام 1948 وعلى أيدي العدو نفسه، لذا لن يكون غريبًا أن يعيد التاريخ نفسه في صورة هزيمة أخرى.


من أهم أسباب قوة هذا الفيلم العظيم:

من أهم أسباب قوة هذا الفيلم العظيم وتفرده هو لا ريب الأصلُ الروائى المأخوذُ عنه فهو رواية الأديب الكبير عبدالرحمن الشرقاوى. لكن شاهين أضاف إلى ذلك الأصل تفسيرا سياسيا لم يكن موجودا فى رواية الشرقاوى. 

فالرواية الصادرة عام 1954، بعد عامين من قيام ثورة يوليو 52، تنتهى على نبرةٍ متفائلةٍ فى أن يخرجَ العمُ أبوسويلم من محبسه وأن يتم تعويضُه هو ورفاقه عن أرضهم المنتهبة، فى استشرافٍ واضح لمكتسبات الثورة وقوانين الإصلاح الزراعى. 

أما الفيلم، فنهايته مغايرة تماما. إذ تم إنتاجُه عام 1969، فى أعقاب هزيمة يونيو 67، فى وقت كانت مصرُ كلُّها تتشح بالسواد حدادا على شهدائها وحزنا على أرضها المغتصبة. 

وبعد أن توقف شاهين عن العمل قرابةَ ثلاثِ سنوات، اختار رواية «الأرض»، وتوجه بها إلى المؤسسةِ المصريةِ العامةِ للسينما التى قدمت له دعما غير محدود. وبالفعل تكلف الفيلمُ ضعف ما كانت تتكلفه الأفلام عادةً فى ذلك الوقت، لكى يخرج بصورة لم تمح بهاءَها العقود. 


نهايةً مغايرةً

لذلك، ومن واقع الأزمة السياسية التى كانت مصر تشهدها بعد النكسة وأثناء حرب الاستنزاف، قرر يوسف شاهين أن يختار لفيلمه نهايةً مغايرةً لما جاء فى الرواية، ليُخرج لنا المشهدَ الختاميَ الأبقى فى الذاكرة المصرية، إعلاءً لقيمة الفداء، وابتداعا لأيقونة مصرية خالصة تُعَـرِّف عقيدة الوطنية فى أذهان أجيال متلاحقة على أنها التشبث بتراب الوطن والدفاع عن الأرض المصرية حتى الرمق الأخير.


وقد ساعدت موسيقى علي إسماعيل وكلمات زوجته الشاعرة نبيلة قنديل في توصيل تلك الرسالة، حيث تأخذ نواحي مختلفة من أنين مكتوم للفلاحين (المحكومين) ثم ثورة عظيمة تجعل الموسيقى تصرخ (الأرض لو عطشانة نرويها بدمائنا) ولكن تنتهي الموسيقى بالأنين والوجع. وربما أنين الهزيمة والانكسار.


فيلم الارض . تتر البدايه و النهايه . من اجمل ما انتجت السينما المصرية.

لمتابغة صفحة الكاتبة علي الفيسبوك : Marnie Omar

الكاتب
بواسطة : الكاتب
يمكنك كتابة رايك و التعليق علي الخبر، كما يمكنك التواصل برسالة و سيتم الرد عليك في أسرع وقت. شكرا لمروركم الكريم .
تعليقات
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -